الأربعاء، 27 يوليو 2016

المصير المحتوم ( نص أدبي )

فجرٌ يطل من بعيد ترقبه ولا تملك أن تعيش في فضائه أبدا ! , والأسئلة لا تهدأ تترى في ذهنك وهيهات أن تجد الجواب ! 
هذه الأماني باتت مستحيلا وتاهت الدروب ! 
قل شيئا جميلا لا يعقبه حزنٌ ... أرجوك قل ... فما عدتُ أنا ..... ولا تشبهني المرآة ... واختلطت الوجوه عليّ 
فما ذنبي أنا كي لا أكون أنا ؟
وأي رجاء هذا فلا يعقبه سرور وأموت كمدا بين يديك .

هل ترضى لي المصير المحتوم ؟

رابط آخر نشر فيه النص هنا 

الخميس، 2 يونيو 2016

فضاء الصورة عند المبدع





نتيجة بحث الصور عن صورة طائر



يحز في نفسي ويؤلم قلبي ما أراه من بعض النقاد أو من بعض متذوقي الشعر في حكمهم على صور الشعراء الخيالية بأنها بعيدة عن المنطق أو العلاقة العقلية القريبة بين المشبه والمشبه به وكأنهم يطلبون من الشاعر أن يمضي في طرق طبيعية واضحة للعيان وهو في غضون تأجيج فتيل إبداعه بالخيال الذي لا يعرف بدوره لغة المنطق ولا يفهم الطبيعة التي يعرفها كل الناس للأشياء .

إن المبدع فورة انفعالية وطاقة خيالية لا يمكن أن نحصرهما في علاقات طبيعية ومنطقية للأشياء, وإلا سيكون كل شاعر مطالبا بقيود المنطق لا غير, فتصبح الصور كلها مكرورة وتقليدية ولا خروج عن تلك الطبيعة التي نعرفها جميعا . فلا نرى جمالا ولا جديدا ولا تميزا في النصوص.

إن الحكم الصحيح على صور الأديب تنطلق من معرفتنا بشخصية ونفس الأديب وطبيعة تكوينه الخاصة والمختلفة عن جميع البشر .
فالشاعر بصورة خاصة له لغة خاصة به, تقوم على الصورة الفنية الجزئية والكلية الكثيفتين في قصائده وفي أبياته.
وهو في أحيان كثيرة يهتك العلاقات ليكون له فضاء لغوي يستطيع أن ينطلق فيه بصورة أكبر فيتحرر من العالم الذي يعيش فيه بقيود التقاليد والعادات التي لا يجد فيها إشباعا ترضي فورة خياله وتساير دفق عاطفته وتهديه وهو في رحلة بحث عن الحقيقة وإثباتها بصور شتى في إبداعه.

من هنا جاء الالتفات اللغوي والعدول كي يشبعا نهم الأديب فيبحر معهما في عوالم أخرى يرغب في السباحة فيها كما يُريد, فيحقق تلك المعادلة النفسية التي ترضي سعة خياله وتجدِدُ عاطفته وحبه الكبير للمعرفة والبحث الدائم عن الحقيقة. 

ينبغي لصور الأديب أن تكون جديدة تعكس تميز شخصيته وقدرته على التجديد ومواكبة الحديث.

من واجب النقاد أن يمعنوا النظر في الدلالة العميقة لصور الأديب عوضا عن اتهامه بالقصور والضعف والنقص في التصوير .
فربما هناك شرفة رآها الأديب لم نستطع في برهة خاطفة أن نراها ونرى ما تفضي إليه من جمال .

لا بد أن نفسح المجال للشعراء خاصة والأدباء عامة كي يُبدعوا فنستوعب نمط شخصياتهم المتدفقة بالعطاء والراغبة في التجديد . 

يقول د. جابر عصفور ( يجنح الناقد المعاصر ـ عادة ـ إلى القول بأن نوعية الخيال وإمكانياته وفاعليته هي ما تميز الفنان المبدع عن غيره , ولا تنفصل قيمة الشاعر الخاصة ـ في مثل هذا التصور ـ عن قدرته الخيالية التي تمكنه من التوفيق بين العناصر والتي تجعله يكتشف بينها علاقات جديدة ) 

فكلمة جثة قد تأتي مع الروح وإن بدتْ لنا صورة ( جثة الروح ) بعيدة الفهم والتصور, لكنها بالنسبة للمبدع تبدو مألوفة نتجت عن زفرة ألم رأى فيها الأرواح رخيصة بالنسبة للعدو الغاشم حتى تمثلت الجثث أمام عيني الشاعر وهو يتساءل أين أرواحها الغالية ؟ 
إنَّ الأرواح خرجتْ والشاعر يسير بين تلك الجثث الهامدة , فكأن تلك الروح الغالية لم تعد إلا هباء منثورا في صورة جثة هامدة ..

هل رأيت كيف بدت الصورة أكثر وضوحا لك بعد فهمها ؟ 

تحيتي 

*الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب , د.جابر عصفور , المركز الثقافي العربي , ط3 , 1992م , بيروت , لبنان . ص 13 

الاثنين، 8 فبراير 2016

صدور كتابي الأول






http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=88134
التحديات التي تواجه اللغة العربية 
مشاركتي في المؤتمر الدولي الرابع للغة العربية 2015 م , في دبي 
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=89506





(  فلسفة العائق في مجموعة عبد الله السفر القصصية ـ يذهبون في الجلطة ـ ) 
بحث نقدي في دراسة القصة القصيرة بأسلوب سيميائي تم تقديمه لكرسي الأدب السعودي 2014 

http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=89505

مشاركتي في الأوبريت الوطني بحائل


http://www.al-jazirah.com/2015/20150130/av67.htm
محاضرتي في النادي الأدبي بحائل 

http://adwaalwatan.com/?p=120731#.V0lssfkrLIU


النقد الانطباعي أو التأثري

النقد الانطباعي أو التأثري 



إن أقدمَ منهجٍ للنقدِ ظهرَ في التاريخ قدْ كانَ المنهج الانطباعي أو التأثري , لكن هذا المنهج لم يختفِ قط بل ظل قائمًا وضروريًا حتى اليوم . والنقد الانطباعي له ارتباط وثيق بالقيمة , لذلك فهذا النوع من النقدِ غيرَ مستقلٍ عنِ المدح أو الذم . وهذا النقد يقومُ به أناس اعتادوا بحكم طول مزاولتهم لقراءة الأدب وفنونه أن يتذوقوا ما يقرؤون ثم يحكموا له بالجودة أو الرداءة .1

ويقصد بالنقد التأثري : هو النقد الذي تكون الدوافع الذاتية هي التي تتحكم فيه , بمعنى أن يكون تقويم الناقد للعمل الأدبي مبنياً على أساس ما يبعثه في نفسه , ومدى ما يستثير من ذكرياته وعواطفه الكامنة في ذاته . فهو يعتمد إلى حد كبير على الخلفية الاجتماعية والثقافية , والعوامل المؤثرة في تكوين شخصية الناقد وحده .وهذا الأسلوب في النقد هو الذي نشأ مع الإنسان , وغلب على حياته الأولى , فإذا نظر الناظر في رسم أو قرأ عملاً أدبياً , انفعلتْ نفسه بما أثارت لوحة الرسام , أو صوت المنشد , أو قصيدة الشاعر فيبدي رأيه غيرَ ناظرٍ إلى رأي غيره , ولا إلى طبيعة هذا الشيء الذي أثاره أو أثر فيه , وإنما يعبر في هذا الرأي عن عواطفِه ومشاعره الخاصة تجاه هذا الشيء.2

وقد كان يؤمن الدكتور محمد مندور (1907م ـ 1965م) بالانطباعية , ويرى أنها الثابت النقدي الكبير في التحولات المنهجية المختلفة ( اللغوية ـ التاريخية ـ الايدلوجية ....) وذلك لاعتقاده أن (( المنهج التأثري الذي يسخر منه اليوم بعض الجهلاء , ويظنونه منهجا بدائيا عتيقا باليا لا يزال قائما وضروريا وبديهيا في كل نقد أدبي سليم , مادام الأدب كله لا يمكن أن يتحول إلى معادلات رياضية أو إلى أحجام تقاس بالمتر والسنتي أو توزن بالغرام والدرهم ))
والنقد التأثري هو الأساس الذي يجب أن يقومَ عليه كل نقد سليم وذلك لأننا لا يمكن أن ندرك القيم الجمالية في الأدب بأي تحليل موضوعي ولا بتطبيق أية أصول أو قواعد تطبيقا آليا , وإنما تٌدرك الطعوم بالتذوق المباشر ثم نستعين بعد ذلك بالتحليل والقواعد والأصول في محاولة تفسير هذه الطعوم وتعليل حلاوتها أو مرارتها . 3

وهذا النوع من النقد له مدارسه في القديم والحديث فمن أولئك [ لانسون الفرنسي ] الذي يتبنى هذا النقد ويذود عنه في كتابه : [ منهج البحث في الأدب ] فهو يقول : لا نستطيع أن نتطلعَ إلى تعريف أو تقدير لصفات عمل أدبي أو قوته مالم نعرض أنفسنا قبل كل شيء لتأثيره , تعريضاً مباشراً .
وهذا الكلام قريب جداً من كلام واحد من كبار نقادنا القدماء وهو عبدالقادر الجرجاني الذي يُقِرُ بتأثير المشاعر في الأحكام الأدبية في قوله [ إذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً أو يستجيد نثراً ثم يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ , فيقول حلو رشيق , وحسن أنيق , وعذب سائغ , وخلوب رائع , فاعلم أنه ليس ينبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف , وإلى ظاهر الوضع اللغوي , بل إلى أمر يقع من المرء في فؤاده , وفضل يقتدحه العقل من زناده .. انتهى كلامه من كتابه : أسرار البلاغة .
و يقول القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في قوله في الشعر((: وهو باب يضيق مجال الحجة فيه , ويصعب وصول البرهان إليه.))
ثم يقول : (( والشعر لا يحبب إلى النفوس بالنظر والمحاجة , ولا يحلى في الصدور بالجدال والمقايسة , وإنما بعطفها عليه بالقبول والطلاوة , ويقربه منها الرونق والحلاوة , وقد يكون الشيء متقناً محكماً , ولا يكون حلواً مقبولاً , ويكون جيداً وثيقاً , وإن لم يكن لطيفاً رشيقاً . انتهى كلامه من كتابه : الوساطة بين المتنبي وخصومه ))
قال الدكتور بدوي طبانة : (( ومثل هذه الآراء في أدبنا العربي وفي الآداب الإنسانية كثير , وكلها يدل على الاعتراف بهذا ( النقد التأثري (الذي تكون ذات الناقد فيه , واستجاباته الخاصة هي الأساس الذي يبنى عليه تقدير الأعمال الأدبية والحكم عليها بالجودة أو بالرداءة(( ويقول في موضع آخر : (( ومن هذا يتضح أن النقد التأثري يعبر دائماً عن الرأي الذاتي لصاحبه , ومدى استجابته للعمل الأدبي , وانفعاله به ,وفي هذا النقد كثيراً ما تتعارض الآراء بتعارض الميول والنزعات, واختلاف العواطف والانفعالات .(( هنا انتهى ما نقلته من كتاب الدكتور بدوي طبانة. 4

ولعلنا نرى أحيانا بعض النقاد (الأكاديميين) الذين يعتمدون المقياس الموضوعي فقط , قد أنتجوا لنا نقدا باردا لا حياة فيه حين يتناولون نصوصا يتم معالجتها وفق مقاييسهم المعروفة، ولكن ذلك يكون لسببين: أولهما عدم الاعتماد بشكل أو بآخر على الذائقة الشخصية أو إهمالها تماما، وثانيهما أن الناقد المعني لا يمتلك موهبة النقد, والنقطة الأخيرة تشبه إلى حد بعيد من يحمل شهادة راقية في الشعر العربي مثلا , وهو ليس بشاعر ولكنه قد يكون ناظما للشعر, وذلك لا يعني أنه شاعر حقا أو الذي يحمل شهادة عالية في الترجمة , ولكنه لا يستطيع ترجمة نص إبداعي ترجمة مبدعة. وقد جرى استعمال اصطلاح (النقد الأكاديمي) على كل نقد يحمل سمات التعالي على نتاجات المبدعين ويؤطرها في قوالب جامدة لا روح فيها ولا حياة. لكن الاعتماد على النقد الذي يأتي بوحي الذائقة لوحدها له مخاطر الانزلاق في مطب الذاتية والتقويم المنحاز. وهذا معناه الركون إلى الانطباعية ومالها من مخاطر لا تعطي العمل الأدبي حقه من التقويم الذي يستحقه. 5

المقياس الأوحد الذي تقوم عليه هذه المدرسة هو مقياس التأثير , فلا يُقال إن هذه القصيدة قصيدة كلاسيكية أو قصيدة رومانتيكية , بل يُقال إنها قصيدة جميلة أو رديئة , المهم هو شعور القارئ والناقد وليس إلا قارئا مرهف الحس , سليم الذوق , المهم هو التأثير الذي يجده المتلقي من النص .
والذي يُقال في الأدب يُقال في سائر الفنون , ليس الفن تصويرًا للحقيقة , فمن ذا الذي يعرف حقائق الأشياء ؟ ليس الفن التزاما بالواقع , فكل منا يرى الواقع من زاويته الخاصة .6


.................................................. ...

المراجع : 

1ـ النقد الانطباعي في النقد المغربي الحديث , د: محمد يحي قاسمي , كاتب وأكاديمي مغربي, مقالة صدرت 2009م, موقع ديوان العرب . بتصرف.

2ـ من أنواع النقد الأدبي , الأستاذ خالد المحيميد , نوفمبر2009م ,( بتصرف ) مقالة نشرت في الرابط التالي :
http://khaled-m.com/2009/11/06/%D9%8...F%D8%A8%D9%8A/

3ـ المنهج الانطباعي النشأة التاريخية للانطباعية ( مفاهيمها وأسسها)
وعد العسكري )الحوار المتمدن - العدد: 2022 - 2007 / 8 / 29 ) ( بتصرف)
الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=106835

4ـ من أنواع النقد الأدبي , الأستاذ خالد المحيميد , نوفمبر2009م , ( بتصرف ) مقالة نشرت في الرابط التالي
http://khaled-m.com/2009/11/06/%D9%8...F%D8%A8%D9%8A/

5ـ فيصل عبد الوهاب ـ شاعر وناقد , ( بتصرف ) مقال نقدي .

http://www.shrooq2.com/vb//showthread.php?t=13381

6ـ من ( كتاب قضايا النقد الأدبي الأستاذ الدكتور بدوي طبانة عام 1404هـ , دار المريخ للنشر , الرياض , ص56 بتصرف).


وتم نشر المقالة في صحيفة الرياض وفي أكثر من موقع في الشبكة العنكبوتية 
هنا وهنا 


الرومانسية وتراثنا الشعري


هدى عبد العزيز

    يقول كولردج: (ليست الصور وحدها مهما بلغ جمالها كانت مطابقتها للواقع, ومهما عبر عنها الشاعر بدقة, هي الشيء الوحيد الذي يُميز الشاعر الصادق, وإنما تُصبحُ الصورُ معيارا للعبقرية الأصلية حين تُشكِلُها عاطفة سائدة أو مجموعة من الأفكار والصور المترابطة أثارتها عاطفة سائدة, وحينما تتحول فيها الكثرة إلى الوحدة والتتالي إلى لحظة واحدة, وحينما يُضفي عليها الشاعر من روحه حياة إنسانية وفكرية) 1 الشاعر العربي القديم كان مُجددا في شعرهِ, يرى في ديوانِه جوانبَ منْ حُريتِه, ليؤلفَ منْ شعورهِ أشعارَهُ, ويترجمَ منْ زفراتِ أناتِهِ أنغامًا مُوسيقية, ويرسمَ منْ غضبهِ صورًا مُبتكَرة, ويَخُطُ منْ اضطهادِهِ حروفًا تصرخُ بأوجاعِه, وهو يقومُ بكل هذا من غيرِ أنْ يُطلبَ منهُ, سِوى أنّ أصالتَه أوحتْ لهُ بهذا على شرفِ مَلَكَة موهبته الشعرية. إننا نرى على سبيل المثال لا الحصر أن التغنيَ بانفلاتِ الزمن وُجِدَ عند الشاعر العربي. انظر إلي المتنبي وهو يقول:
فؤادٌ مَا تُسَّلِيهِ المُدَامُ
وَعُمْرٌ مِثلُ مَا تَهِبُ الّلئَامُ 2  
أيُ فؤادٍ هذا الذي لا تُسليه المُدام.. بكل ما تفعله من فك للكوابح, وأيُ عُمرٍ ذلك الذي يشبهُ هِبة الِلئَام, وهلْ تَهِب اللئام شيئا؟ إنهُ شاعرٌ أصيل عبّر عن خلجاتِ روحِهِ, وتركَ العنانَ لمشاعرهِ فسكبتْ مِدادا يَضجُ بالصدقِ, يتسربُ إلى أرواحِنا ليطبعَ فيها احترامَ وحُبَّ هذا الشاعِر, بل ونحيا مَعهُ تجربَتهُ, ونتفهمُ أسرارَ غضبِهِ حينَ يثورُ, ونزغردُ في أعراسِ أفراحِهِ حين يبتهج, ونشاركُهُ آلامَهُ ونحسُ غربتَهُ, فنتوحد معه في كل ما يقولُ ويصدرُ عنه, حتى فِي خيالِه نُسافِرُ معهُ لأفقٍ قدْ اختارهُ لنا دربًا ومسلكًا, ومع ذلك نرتقي معهُ في حُلمِه طائعين بل يُسابقُ بعضُنا بعضَا, فمَنْ سيظفرُ بالحُلمِ ويعيشُ جمالَه منا قبلَ الآخر؟
ثم يُعلنُ نداءُ الفجرِ الجديدِ نهايةَ ليلةٍ معَ قراءةِ قصيدة, هي تجربةٌ حيةٌ قدْ خُضناها معهُ, وإنْ لمْ نخُضها في حياتِنَا. فنطردُ مشاعرَ سلبيةً منْ نفوسِنَا, ونخلصُ إلى هدوءِ البالِ, لأنهُ عبّرَ بكلِ تفوقٍ وألمعيةٍ عنْ تجربةٍ قدْ تأثرنا بها يوماً ما, ولكن مَلَكة التعبير لمْ تكُن هِبَة لنا, فظلتْ في نفوسنا تتألمُ ,حتى أتى هذا الشاعر الفذ الذي وهبه الله ملكة التعبير الإبداعي, فأخرج أناتنا, وصرخَ بأوجاعِنا, ورسمَ أحلامَنا, وسكبَ على مرأى نواظِرِنا تلاطمَ مشاعِرِنا بشاعريتِهِ وبعبقريَتِه.ِ ونشتاقُ لِلعَوْد مع قصيدةٍ جديدةٍ في ليلٍ شاعريٍ يُنادينا لهُ الشاعر, الذي كشفَ لنا فلسفةً من فلسفاتِ الحَياة, بروحِهِ الحَساسةِ الذّكيَةِ المُحَلِقة, والتي أتتْ بالرومانسية فِي شكلٍ مِنْ أشْكَالِهَا قبلِ قِيَامِهَا. وهُنا تكونُ عبقرية الفنان وتميز الأدب العربي حينما نُمْعَن فيه بعمق. فهو ثري بثراء اللُغة التِي هي أداة تعبيره. هذا ابن الرُومِي ذلكَ المُتطير المتوتر يقول:
ولقد مُنِعْتُ مِنَ المَرافقِ كُلِّها
حَتى مُنعتُ مَرافِقَ الأحَْلامِ
مِن ذَاكَ أنِي مَا أرَانِيَ طاعِما
فِيْ النّومِ أوْ مُتعرِّضا لطعَامِ
إلا رأيت منْ الشقاءِ كَأنني
أُثنِى وَاكْبح دُونَهُ بِلجَامِ 3
قدْ حُرمَ مِنْ كلِ شيء.. حتى فِي الأحلامِ.. كُلما حَاولَ أنْ يأكلَ يُكبَحُ غصباً وكأنهُ ملجوم ومسلوب الإرادة. 4
ويقول أيضا:
لِمَا تُؤذن الدُنيا بهِ مِنْ صُروفِهَا
يَكونُ بُكَاءُ الطفلِ ساعةَ يُوْلَدُ
وَإلاَ فَمَا يُبْكِيهِ مِنهَا
وَإنهَا لأْفْسِحُ مِمَا كَانَ فِيهِ وَأرْغَد 5 
ينقلُ ابن الرومي هُنا الضيقَ وثقلَ الدُنيا إلى المُستوى الوُجودِي.. لماذا يَبكِي الطفلُ ساعةً الميلادِ وهوَ المُنتقل منَ الضيقِ إلى الرحب؟ أيُ عاطفةٍ تستدعِي هذا التساؤلَ. يقولُ المُتنبي:
كَفَى بِكَ دَاءً أنْ تَرَى المَوْتَ شَافِياَ
وَحَسْبُ الْمَنَايَا أنْ يَكُنَ أمَانِيَا 6 
أيُ داءٍ ذاكَ الذي يدفعُ الشخصَ للموتِ, وأيُ داءٍ يكونُ دواءهُ الموت ومِن الناسِ مَنْ يرى الموت أهونُ ممّا هوَ فيهِ ؟ كيف يكون المَوتُ أمنيةً وحلاَ ؟ تأمل ما يقول أبو العلاء:
مُهجَتي ضِدٌّ يُحارِبُني
أَنا مِنّي كَيفَ أَحتَرِسُ
هل هناك أصعب من أن تُسْجن داخل نفسك ؟ تُرى كيف كان أبو تمام حين قال:
هبّي تري قلقاً مِنْ تَحْتِهِ أرَقٌ
يَحْدوهُمَا كمَدٌ يَحْنو لهُ الجَسَدُ
لَوْ يَعلم الناس عِلمِي بالزمَان وَما
عاثت يداهُ لما ربُّوا ولاَولدوا 8
قدْ كانَ كمدا حزينا, أرِقَا لا ينامُ. قلقا منْ غيرِ اطمئنان.
إننا نجد في شعر هؤلاء المتميزين أرقا وكمدا, وتمنيا للموت بدلا من حياة مريرة لا تجلب لهم أي سعادة, بل هي في شكل من أشكالها تعبا وسببا في الشقاء. إنها أحاسيس لا تصدرُ إلا منْ نفوسٍ مُرهفةٍ حساسةٍ, تُعَانِي الحياة ذاتها.
(إنّ في شعْر المُتنبِي وشوقي وحافِظ ومَطران, شعرٌ موحد الفكرة والصورة والإحساس, وإذا العمل الفني كله تصوير لموقفٍ نفسيٍ مُوحَد. أو للحظةٍ شعوريةٍ ذات مغزى يبْدو فيها الوجود للشاعِر مَصبوغا بلونِ نفسهِ ) 9. لقد وُجِدَتْ الوحدةُ الشعورية عندَ المُتنبي في أجملِ حُللِها, يقول:
مَا لَنَا كُلُّنَا جَوٍ يا رَسُولُ
أنَا أهْوَى وَقَلبُكَ المَتْبُولُ
كُلّما عادَ مَن بَعَثْتُ إلَيْهَا
غَارَ منّي وَخَانَ فِيمَا يَقُولُ
أفْسَدَتْ بَيْنَنَا الأمَانَاتِ عَيْنَا
هَا وَخَانَتْ قُلُوبَهُنّ العُقُولُ
تَشتَكي ما اشتكَيتُ مِن ألمِ الشّوْ
قِ إلَيها وَالشّوْقُ حَيثُ النُّحولُ
وَإذا خامَرَ الهَوَى قَلبَ صَبٍّ
فَعَلَيْهِ لِكُلّ عَينٍ دَلِيلُ
زَوِّدينَا من حُسْنِ وَجْهِكِ ما دا
مَ فَحُسنُ الوُجوهِ حَالٌ تحُولُ
وَصِلِينَا نَصِلْكِ في هَذِهِ الدّن
يَا فإنّ المُقَامَ فيها قَليلُ 10
قد تقرأ هذه الأبيات فتتصور أنّ سرَ جمالِها وروعَتها كامنٌ فِي هذا الغزل الرقيق, أو في عاطفة الحُب المَشبوبة التي تشيعُ مِنْ أبيات هذهِ المَقطوعة, والتي تُصور عِلاقةَ إنسانٍ مُحب بامْرأة لا يَملك كُل مَنْ رَآها إلا أنْ يَقعَ فِي غَرامِهَا, حَتى هَذا الرسول الذي يُرسلُه العَاشِق إلى حَبيبتهِ لا يَستطيع أنْ يُقاومَ مَا لا بُدَ مِن وُقوعِه. 11
فتأخذك منها هذه اللهفة الصادقة النابعة من قلب شغوف بحبِ صاحبتِه, وقد تروعَك مِنها البَساطة, وقد يَفتنك مِنْهَا قُدرة المُتنَبي الخَارقة عَلى إثارةِ انفعالِك, والتأثير فِيك بمَا وُهِبَ مِنْ طاقة شُعُورية عالية. إننا أمام شاعر ينظرُ إلى الوجود والحياة من زاويةٍ خاصة. ويخلعُ على الحَادثة التي أمامهُ ما في أعماقه من رؤية للحياة. إنها نظرةُ عاطفةُ رجلٍ أدركَ للحظةٍ واحدةٍ, أنّ كلَ مَا كانَ لهُ منْ ماضٍ في الحياةِ قد ضاعَ في غيرِ ثمرة, وأنّ الباقي لديهِ من العُمرِ أقلَّ بكثيرٍ مما ذهبَ, وأنهُ عليه أن يتمسكَ بما بقيَ لهُ منْ حياة, فيعيشه بفلسفة جديدة, وبروحٍ عاشقة مُتسامحة مُحبه, وترى لهفة إلى حبِ الناسِ جميعًا. روعةُ المتنبي هنا تكمن في قدرتِه على أنْ يجعلَ منْ هذا الشعور يُسيطرُ على أبياتِ المقطعِ الغزلي كلهُ ويطبعَه بطابِعه.
وممّا لا شكَ فيهِ أنّ الشاعرَ العربيَ عرفَ الرومانسية منْ حيثُ هي أحاسيس ومشاعر مُتدفقة, وخيال تلّونَ بروحِه, في بعض القصائدِ قبلَ أنْ تدفعَ لنا الثورة الفرنسية مَذهبها الرُومانسي دفعا وبكل فخر.
المصادر والمراجع:
1 دراسات في الشعر والمسرح ص 37 للدكتور مصطفى بدوي ط 1 دار المعرفة.
2 ديوان المتنبي للبرقوقي ص 190 جزء 4, دار الكتاب العربي, بيروت, 1986م.
3 ديوان ابن الرومي, الجزء الثالث, شرح الأستاذ أحمد حسن بسج, دار الكتب العلمية ببيروت, لبنان , ط3, 2002م. ص 2634
4 وقفة بقلمي
5 ديوان ابن الرومي, شرح الأستاذ: أحمد حسن بسج, دار الكتب العلمية ببيروت, لبنان, ط3, 2002م. ص374 ديوان المتنبي للبرقوقي, ص 417, جزء 4,
6 دار الكتاب العربي, بيروت, عام 1986م
7http://www.hayatnafs.com/mona3at_fi_alnaf s/depression7 -sufferings&treatment.htm(موقع الدكتور جمال الخطيب)
8 ديوان أبو تمام. تفسير: محيي الدين الخياط, مكتبة كندا. نظّارة المعارف العمومية الجليلة, ترنتو. 1413 ه.367
9 دراسات في النقد الأدبي, د. محمد زكي العشماوي, دار الشروق.ط1, 1994م. ص . بتصرف 273
10 ديوان المتنبي للبرقوقي , ص 267, دار الكتاب العربي, بيروت, عام1407ه
11 دراسات في النقد الأدبي, د. محمد زكي العشماوي, دار الشروق, ط1, 1994 م, ص 275. بتصرف

وتم نشر المقالة في أكثر من موقع وصحيفة سعودية ومصرية 

طلب النقد


نتيجة بحث الصور عن صورة النقد



يطلبُ بعضُ المبدعين نقدَ نصوصِهم من النقاد . ومَن منا لا يحبُ نقدَ أعمالِه وتسليطَ الضوءِ عليها, لأن هذا من شأنِه إتاحة الفرصة لها كي تتداول وكذلك تتاح فرصة معرفتنا بالأديب المبدع وخصائص أو تميز نصوصه .
وما لا يعلمه جميعنا أن النقد الموازي للإبداع أصعب بكثير من الإبداع ذاته . لأن النقد البديع يعتمد على ثلاثة أمور :
1ـ تذوق النص وقربه إلى قلب الناقد أو شعوره به وإيمانه بصدقه كي تستطيع يراعته النقدية أن تسير بطلاقة ومرونة .
2ـ النقد عمليه عقلية مرهقة تعتمد على التحليل والتفسير والمقارنة ومعرفة الناقد بأدوات كثيرة ومهارات كثيرة تتطلب وقتا وفراغا نفسيا وفكريا ورجوعا للمراجع مع الإحالة كي يكون صادقا أمام الجمهور .
3ـ النقد فن وعلم في آن واحد, فينبغي للناقد أن يكون مُبدعا في عرض نقده وسرده بأسلوب الأديب الخبير كي يجذب القراء إلى نقده المنطقي .


هدى عبد العزيز

أصدق الشعراء





إن الشاعرَ الحقَ ينطلقُ من الخاصِ إلى العامِ . إنه ينظرُ إلى مأساة الإنسان في كل زمان ومكان .
وَهذهِ المزية من أسباب خلود الشعر.فالشعرُ ترجمان للإنسان, الشعر يترجم مشاعرنا , أحلامنا , همومنا ...... وهل نُطلق على الشاعر تلك الكلمة السامية وهو لا يحملُ دِفقَ الشعور بذاته وبالآخرين ! قد تكون القضية التي يتحدث عنها الشاعر هي فقدان الأمان في الوطن وتغييب الحرية , لكنه تجاوز المكان والزمان ليتحدث عن حرية الإنسان المسلوبة في جميع البلاد عبر الأزمان . إنه يُحس الإنسان كما أحس بذاته ... فكم مِن مواطنٍ فَقَدَ الأمانَ في وطنه فشاركه تلك الآلام ...إنها البطولة التي يصنعها الشعر حين يكسر كل الحواجز ليعبرَ عن همٍ واحدٍ لجميع البشر بلغة خالدة رفيعة....وتبقى ( أخي ) غصة في الحلق نتجرعها كلما فقدنا الأمان في البلاد ! !