الأربعاء، 6 يوليو 2011

إلى كل مَن يستقل الترام مع كامل احترامي





حينما أحضرُ للإسكندرية لمواصلة دراستي من حين لآخر ُأُحب جدا أن استقلَ التُرام في تنقلاتي, وحينما أبوحُ لأصدقائِي بهذا السِر تستوقفهم الدهشة, وفي الواقع لا أجدُ في حِيرتهم غرابة أبدا, لأنهم ينظرون للجوانب المُظلمةِ في الترام.

الترام قِطار ذو كراسي غير مُريحة صُنِعتْ من حديدٍ أملس, أفلحَ الحدّاد في جعل الاستقامة جسدا لها, بزوايا قائمة لا مكان لظهرك المُنهك أن يستلقيَ بمرونةٍ عليه أو ينال قِسطا من راحة عاجلة !!!
وقد لا تظفرُ بكرسي فيه ـ على الرغم مِن أنك تُهرولُ إليه ظنا منك أنك ستحضر قبل الآخرين فتفوز بقصب السبق !!
وفي النهاية تضطر للوقوفِ حتى تصلَ لِمحطتك, وقد لا تصل لمحطتك التي تريدها إلا بعد خمس أو تسع أو خمس عشرة محطة, وهذا يُهدر وقتك ,ومن الأفضل أن تُبكِّر بالخروج قبل موعدك بساعة لتصلَ في الموعدِ المُحدد ولكن وأنت يدك على قلبك .!!

الوضع فيه ِغير آمن, قد يتم سرقتك فيهِ وبكل سهولة وبدون أن تشعر بسبب الازدحام.والسبب الأهم ـ (الفهلوة) ـ خِفة اليد والخِبرة !!!

كما أنك لا تُحسُ بالاطمئنان, قد ترى بِأمِّ عينيك عددا كبيرا من النزاعات بين ( الكُمسري ) والمتسولين الذين يرفضون دفع الربع جنيه ـ على ضآلته ـ !!! وفي مثل هذا الموقف عليكَ أن تلوذَ بالصمت , وتطوي كشحا عنهم, لئلا يلمزوك أو يدفعوا قدمك لنزاع ٍلا تعرف ُ لهُ نهاية من بداية!!
وقد يلزمُك تكلف الابتسامة في وجوههم العابسة الغاضبة لئلا يظنوك مُوافقا على ما يحدث أو طرفا في النِزال.
وعلى كلِ حال فلن تخسرَ شيئا فالابتسامة في وجه أخيك صدقة.
وباعتقادي ـ وعن تجربة ـ أنّ ادعاء الغباء أو الصمم هي أفضل الحلول للنجاةِ بروحك الزهيدة عندهم !!

هذا فضلا عن صخب القِطار الذي يوقظك من سكينتك بلا رحمة !!!
لذا لا تظن أنك ستستمع لموسيقى هادئة أو أصوات دافئة أو حتى هدوء عابر ينقلك لراحة خاطفة!!

أما أبواب القِطار فقد قطعتْ عهدا مع الناس أن تكون مفتوحة لهم دائما لا تُغلَق في وجوههم أبدا , حتى أثناء سيرها المُتقطع المُرعب !!!
وعلى ما في ذلك من خطورة إلا أن المُراهقين يستقلونه قفزا كرياضة جديدة رائعة يتفاخرون بها !!!
وقد شاهدتُ أكثر من مرة سقوطا لِنساء أو فتياتٍ من الباب بسبب الازدحام أو الوقوف المفاجئ !!!

والجو العام فيه ُمتأزم حيثُ تشعر بأن الكل متوتر, قلق, خائف, والوجوه واجمة !! لأنّ الفئات الموجودة هم من الطوائف الكادحة التي تستمر في العمل ساعات طويلة يبدو على وجوهها الإرهاق والكدح والصبر أما التجاعيد فخطتها الشمس بكل جرأة على ملامحهم.!

لا يمر الترام على مزارع وبساتين خضراء أو حدائق ومشاهد جميلة, ولكنه يمر بك على أماكن سكن الناس البسطاء, حيثُ الأماكن الرديئة والبيوت المتهدمة , والأحياء القديمة التي تصرخ ألما وضجرا من الحياة الرائحة منها وهي في آخر عهدها ترنو للتجدد ولكن :
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيا , ولكن لا حياة لمن تنادي
أتُرى شاعرنا نظمَ هذا البيت في مناسبة كَهذهِ !!!!

!!! وفي طريقك لا تُصيبك الدهشة أو الحيرة لأنك وبكل بساطة من الممكن أن ترى أي مشهد يتجاوز أبسط حدود النظافة أو اللياقة الاجتماعية أو الورع الديني !!!!

لن تتمتعَ في الترام بحرية شخصية مثل تلك الحرية التي تحصل عليها وأنت في سيارة الأجرة أو سيارة السائق فأنت مُراقب مِن الجميع وعليك أن تكون مُتحفظا قدر الإمكان خاصة وأنت غريب عن هذا المكان !!

ومع ذلك فأنا أعشق هذه الوسيلة عشقا يجعلني أخرجُ قبل موعد محاضراتي بسويعات لأعيشَ مع الناس والبسطاء وأفهم معاناتهم وأنال خِبرة كافية من الحياة وأفهم شرائح الناس !!!

يتسنى لك أن تُصغي لمعاناتهم , أو أحاديث السيدات التي يتسامرن بها عن غلاء الأسعار أو الخلل الوظيفي أو انتخاب المرشح الفلاني أو سوء نية المدير الفلاني أو عادات العيد أو طوائف المجتمع أو نتيجة مُباراة الأمس ,أنت ترى المسيحي واليهودي والمسلم في مكان واحد يتقاسمون اللقمة والهواء والمكان والحاجات ويتبادلون المنافع بكل ود واحترام .

أجدُ متعتي في تأمل البشر وطوائفهم البسيطة واختلاف مشاربهم وألفاظهم بل وأخلاقهم, هي حياة أخرى مختلفة.
أنت تقف وعليكَ أنْ تُنصتَ وتُصغِي باهتمام لتعرفَ أنّ لكل شيء سبب وعِلة وتقتنصُ العِبرَ وتعرف كيف تسير الحياة في بلد غني أهلهُ فقراء !!!
كما أنك تطلّع على لهجاتٍ مختلفة في بلد ثقافي تجد فيه جميع الجنسيات يحملون معهم من بلادهم ثقافات مختلفة ولغات أخرى !!!

مع أن الكل يتحدث اللهجة المصرية بسهولة وأنت تعرف ذلك إن ْ بادرت أحدهم بالسؤال عن شيء فقط, أما إنْ تركته يسترسل بالحديث مع طفلِه أو أسرته فأنت تستمع لشريط سينمائي مؤثر يصف وجع عائلة تحمل جنسية أخرى !!
في الحقيقة إنني أحيا رحلة مجانية لا تكلفني غير الإصغاء والتأمل والنظر أعودُ بعدها بمئاتِ الأسئلة والأفكار, وقد أجدُ لكثير من أسئلتي إجابات شافية عند أصدقائي, وأخرى غير معروفة الجواب !!!! ولكنها تُقلِقُ فضولي الدائم الباحث عن الحقيقة.

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

قلب لا يتنفس







هزيمة مُنيت َ بها, وأضحتْ حليفك في نهايات الطرق الوعرة التي سِرتَ بها بسرور, وسارتْ هي معك على سجيتها لِتتحالفَ مع الحلم ضدك !
وعلى الرغم من علو عزيمتك ومسالمتك , يغدو الغدر غريمك الذي يقابلك دائما في مساراتك !
الفشلُ يرسمُ لوحاتِه أبداً على كل الأشياء ِ, ويأبى التراجُعَ , ويُصر ُ على النجاح في آمالنا , لينزعَ منها أحلى أحلامنا, ويترك لنا سرابا حيثُ نبْقى عطشى ونفقدُ لذة السعي , وبهجة الوصول , ونشوة الوصال !!
الصبرُ هو الزاد, حين يُحْكِم الجوع ُ زمامَه في مصائرنا , ويُقرر سطوته , وينشرُ ُعيونه !
والتأسي يضيعُ في متاهاتِ مشاعرنا فيعود أسى وكان هو الطبيب الآسي!! .
يصرخُ في جروحنا فيُلهبها ألما ويزيدها وجعا .
الأمل يزغردُ خارج أسوارنا, بعيدا عنْ أسرابنا , يُغرد لِمن لمْ يتألمْ يوماً.!
أما معنا فهو ألم يتجدد , وأمنية تُفلتْ من بين أيدينا, وكنز ٌ يسرقه الغريب منا. مع أنه قد كان لنا !!
ومِنْ ثَمّ يغدو الأمل ألماً مُحققاً, وتمثالاً عاجياً لا ينطق لنا بشيء أبداً.
هو الجمال حين يصمت .
ما بال المفاتيح لا نملكُ لها أبواباً !!
هي حديد بالٍ في أيدينا.
غدتْ آمالنا طلاسم لا نعرفُ لها شفرات لنترجمَها إلى لغة نتعامل بها !!
والغيوم تستحيل ضبابا, تحجبُ النهار عن بصائرنا. لنبقى بلا بصائر على الرغم من عيوننا الواسعة وقلوبنا المُحبة وعقولنا النيّرة وذكائنا المُتوقد, وأحلامنا العزيزة, وطموحنا النبيل !
فالبصائر معصوبة وتنتظر من يَحُلُ رباطها لترى الحياة.!
وفي الحقيقة نحنُ ننتظر الموت الآخر لأرواحنا عند يوم الرواح !!