الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

الخطوة الأولى

الخطوة الأولى
طلبتْ مِنا الدُكتورة المُهذبة (...........) تحليلاً دقيقاً في بَحثٍ لا تَقِلُ عَدَدُ صَفَحَاتِه عنْ خمسِ عشرة ورقة, معَ أهميةِ الرُجوع لِلمَراجع, وذلكَ لإحْدى مَقامات الحَريري أَديبنا اللُغوي اللبيب, وفصيحنا العارف الفهيم. وكمْ كانتْ بنا شفيقةً , نَحنُ مَعاشِر الباحثين المُبتدِئين!
وَطفقتُ أشتري الكتابَ, وَكُلِي ثقة بأنَّ النَجاحَ سيَكونُ حَليفِي, وَأنَّ القِراءةَ الأُولى سَتكفَلُ لِيَ التحليلَ الدقيقَ, وَخاصةً أنَّ التحليلَ اللُغوي دَيدني في أوقاتِ فراغي.
ولا أُريدُ أنْ أُطيلَ عَليْكُم فقدْ كَانَتْ الدَهشةُ مَرسومةً على كلِ مَلامحِي بعدَ أنْ دَلُفتُ لِقراءةِ الكتابِ, وأصبحَ الهمُ رفيقي, فمَا مِنْ كَلمةٍ سَهلةٍ, قريبةٍ إلى الأفهامِ في هذا الكتاب, وإنْ اقتنصْتُهَا فَإنَّ السياقَ العامَ لِلجملةِ يَجعلُكَ شريداً, هارباً عنها, غيرَ ظافرٍ بأيِّ مَعنىً منها!
فمَا كان مني وعلى حين خِلسةٍ من ضَميري إلا أنْ أتصفحَ (النت) لَعلي أظفرُ بمَقامةٍ مُعَدَة و مُحللة تحليلا لغوياً وفنياً , فكان الفشلُ الذريع هو جَزائي !!! لا يَوجدُ في عالم (النتِ) أي مَقامة تمَ تناولها بالدرس الأدبي ! نهايةٌ أسيفةٌ بعدَ البحث المُضني !!! أمَا مِنْ باحثٍ قامَ مشكوراً بتحليلِ مَقامة من مقاماتِ الحريري ولو عنْ طريقِ القِراءة الخَاطفة, أو الهِواية التي تَجُرنا أحياناً لِقراءةِ ما لا نريد فنقعَ على ما نريد! وليتني وقعتُ على مَا أريد !
بدأتْ وجنتيَّ بالاحمرارِ وَهُما كذلك في حالتي الخجل والغضب ! بالطبع كانتْ العلة هذه المرة كلتا العلتين. الخجل من ضميري, فسرعان ما أيقظني إحساس الندم !! والغضب من هذه الأناة الحالمة التي أحياها !!! فمَا أنا فاعلةٌ في أمري, والوقتُ ينسلُ مِنْ بينِ يدي, ولابُد منْ تسليمِ البحثِ بعد أسبوع!حسناً , خَطرَ لي خاطرٌ لكن نِسبة البراءة فيهِ أكبر! أن أضعَ موضوعاً في الفصيحِ لعلَّ أحدهم يُفصِحُ لي مَشكوراً بحلٍ لهذا الموضوع أو لديهِ تحليل بلاغي أو حتى تحليل مُبهم, المهم أنه تحليل لُغوي وكفى . فيغيثني به !!! ومكث الموضوع يومين, وفي اليوم الثالث أدركتُ أنهُ ما مِن سبيل إلا صاحب الكتاب أسألهُ لَعلَّ قلبَهُ يَرِقُ لِي, أيُفْصِحُ لِي الحَريري عَنْ مَكنونِ كلماته الغريبةِ والتي جمعَها في صعيدٍ واحد. تصفحتُ الكِتابَ على مَضضٍ, وقهقهةَ الحريري ما تزيدني إلا تحدياً, وتُصاحبني في كل صفحة ٍأتصفحها, وكان يتوجب عَليَّ في البدءِ أن أنتقيَ مقامةً من الأربعين, لتظفرَ بتحليلي السامي وهوايتي التي أراها اليومَ مبعثَ أحزاني بعدَ أنْ كانتْ سببَ مَسراتي.
ولكن مُجبراً أخوك لا بطل !!!!
كانَ هدفي أن أنتقيَ الأسهل والأيسر لعل الحيلة تجعلني مُتميزة أمامَ الدكتورة( ...) والتي لا أظنها إلا عارفة ببُغيتي هي والحريري والشريشي والذي بدوره اكتفى بلمحات خاطفة لتوضيح معاني النص الواحد, ألم يعرف أن هناك الأسلوبية,والتفكيكية والبنيوية والسيميولوجية والدراسة الفنية ! أصلحكَ الله يا شريشي أما كان لك عبقرية فذة تُفكك أسلوب المقامات وتُعيدُ بناءها ثم تدرسها فنياً!! وأنت الشارح اللُغوي الكبير !
مالي أراهم اتحدوا ضدي, ووَقفتْ حِيلتي حائرة, فهربتْ الحيلة وَبقيتُ أنا وحدي في الميدان, وما من مَقامةٍ سهلة وذاتَ لُغةٍ قريبة من الأفهام أُمْسِكُ بها.
وحُشِرْتُ في الزاوية الضيقة التي حاولتُ وحاولتُ أنْ أفِرَ منها لأجدُ متسعاً,والآن يَضيقُ الخناقُ عَليَّ, ومَا مِنْ أصواتٍ أسمعها غيرَ الحَريري وَهو يُثقلُ وَطأتهُ علي ّ بألغازهِ.
لَمْ يتبقَ لي مِنْ أمرٍ إلا أنْ أواجَه البحرَ والعدوَ معا ً وَما أظنني إلا غارقةً. ومع أني أجيد السباحة إلا أنني لمْ أتعودْهَا في العواصفِ الهائجة !!
لِمَ لَمْ يكُن هناك باحث واعد يُرشِدُهُ مُشرفٌ قديرٌ لتحليلِ هذهِ المقامات تحليلا أدبيا وفنيا لنظفرَ منه بمَرجعٍ يَمُدُ لنا يدَ العونِ في هذه المُعضلة !!!!
هاهي المقامات ترمُقني بحدة , لكنها نظرات الوعيد والتهديد, هي تنتظرُ مِدادي لأكتب عنها, فتسخر مني سخريةً لاذعةً ,لكنها تنبُعُ من مرارتي !!!
مكثتُ تسعَ ساعاتٍ لأنتقي مقامةً مُحاولة أن أظفرَ بما يَستوعبه عقلي الصغير, ويدخلُ إلى لبي القاصر, فأعيتني الصفحات, وأعياني زماني كله, وَبتُ أندبُ الحظ العاثر الذي جرني لمصر بلد الثقافة والعلم, أكانَ يُجدر بي أنْ أدرُسَ هذهِ الدراسة المُعقَدة لينعقدَ لساني وحاجبيَّ وكل ما بي !! ونمتُ والكتاب في حضني, ومع الفجر الذي يضجُ حيوية, كتب الله لي بصيصَ الأمل, وأيقظَ فيني العزيمة, وأشعل بي المُضي قُدما بلا هوادة ولا تراجع, فإذا الفكرة تقترب مني وتُشِعُ في رأسي, لِمَ لا أختار أقرب المقامات لروحِي وأحبَها إلي َّ بدون أنْ أضعَ فكرةَ صعوبةَ اللُغة حائلاً بيني وبين الانتقاء, لِمَ صنعوا المُعجم إذن, وهل كان الفيروز آبادي يؤلف قاموسه المُحيط إلا لنُحيطَ بلغتِنا وننهل منهُ ليتسعَ أفقنا, ولكنهُ لو عرف حالي سَيرق لي وسيشفعُ لي عندَ الحَريري معَ أنهما لمْ يلتقيا إلا في العِلم لا الزمان, لعله يلقاه! ألم ألقَ الجاحظ في بيانِه, وابن قتيبة في الشعر والشعراء, والأعشى في معلقته, على الرغم من تفاوت عصورهم ! أليست الأرواح تتخاطب أحياناً , والأفكار والخواطر تتوارد كثيراً ! وهل كانت شفاعتهم في العلم؟! , لا أرى أنَّ أحداً سيشفعُ لي من علماء عصره بل عصري! ولا مَن زمنٍ أخر! , وهل كتاب الموازنة للآمدي شفاعةٌ حسنةٌ لأبي تمام !!! لا أظن!
ما من أحدٍ في العلم إلا وينقدُ سابقيه ومعاصريه, لم يشفعْ لأبي تمام ديوانُه الرائعُ وحماسته التي تلهب النفوس, بل لم يشفع له حصانة المُعتصم الخليفة الشهم لشاعريته, فما زادهم ذلك إلا اتهاما له بالسرقة!! , فكيف سيكون مصيري وأنا الأمة الفقيرة في البضاعة!!!
حسنا لأبتعِدَ عنْ هذا التشاؤم وأفكرُ بتفاؤلٍ كلونِ هذهِ الذُكاة التي بدأتْ تتسلسلُ أشعتُها على وجهي بلا خفرٍ . !
الخطوة الأولى في أي عملٍ هو القبول والاستعداد النفسي هذا ما تعلمناهُ في دورات الاتصال والتواصل والتخطيط والتفنيد !!!
حسنا لابد من الحُب , إنهُ الداء والدواء , هذا السحر العجيب الذي يتسلل إلى النفوس , فنخضع للمحبوب ويخضع هو لنا!!
وأصبح الكتاب رفيقي في (الترام), في الكلية, في المكتبة, لعلي أحبه , أو هوَ يحبني فيُسِرُ لي ببعضِ أحاديث قلبه.! وما أظنُ رِفقة الكتاب جلبتْ لي غيرَ ظُنون الصِحاب بأن بي مسا أو خبالا أو شيئاً من جنون, وأصبحتُ المُضغةَ التي يلوكونها , والنكتة التي تداعبُ شِفاههم !
وأنا لسان حالي كما قال شاعر الفصيح (الجبلي)
فبي من الهمِ مَعنى لا يُصوره = صِدق الشعور ولا وَشيٌ من الكذبِ
وبي من الهم والأحزان ما عجزت = عنه القوافي وأعيا منطق العرب

وكلما تصفحتُ وتصفحتُ ما رأيتُ إلا نفورا من هذهِ اللُغة الغريبة التي حشدها الحريري حشداً , هل نزعَ اللهُ منه الرأفة بنا وبحالنا اللغوي في عصرنا الراهن .
فكيف لو سمعَ الحريري هذه العامية التي باتتْ تنتشرُ انتشارَ النارِ في الهشيم , كيف لو حضرَ مُحاضرةً لأستاذ جامعي يُسهب في الدرس النحوي بلهجته , وهو يكرر على أسماعنا أريد لكم التيسير !!! وهو لم يُرِد إلا التلويث لألسنتنا فتنأى عن الماء الرقراق, وَنَرْشُفُ كدراً وطينا !!!
ماذا لو استمعَ لإعلامنا العَربي هذا الجِهاز الذي كانَ يُسيطرُ عليهِ الشاعر في عصورنا الزاهية فمَا يزيدهُ إلا نضارةً وفصاحة وبيانا, بشاعريته المُتجددة ولُغته الفَصيحة.
ماذا سيصيبه حين يسمعُ نعيقَ الدُعاة لتبسيطِ النحو العربي بحُجة تيسيره ! وهم يهدمون التراث والشعر بل اللُغة في شتى مجالاتها!
توكلتُ على الله لم يكن هناك بُدٌ مِن أنتقي الآن بلا تأخيرٍ فلم يتبقَ غيرُ أربعةِ أيامٍ على الموعدِ,(أليس الصبح بقريب)!!
نعم هذهِ هي المَقامة الوحيدة التي هفتْ نفسي لها, ودخلتْ لروحي منها نشوة الارتياح وسكينة الاطمئنان.
إنها المقامة التاسعة والثلاثون ( العُمانية ) جذبني فيها أمران, الأولُ تلاطم أمواج بحارها التي لّونها الحريري.
وقد أقسمتُ لأَقْطَعَنّ بِحَارها, وأتجاوزنّ عواصفها حتى ترسو بي سفينتي إلى ضفة أمان معانيها المتلفعة بهذهِ الشوارد !
والثاني سأحْتفظُ بهِ خجلا, فما هو مِما يُحْكَى ويُقال , !!
أنا الآن أمامها أفكُ طلاسمها, أترجم غريبها, وأُناشدُ الفيروز آبادي أن يُفشيَ لي بأسرار مُفرداتِها, وحين أريدُ التفصيلَ وبيانَ الشاهدِ الشعري أُهرولُ لابن منظور فحينا يُجدِفُ معي, وحيناً يضيعُ معي في البحور !! ما أظني إلا مُقبلة عليها إقبالَ المُحارب الذي بيدهِ تُرْسِه قبلَ سَيفِه !!!
وسيفي رقيق, لمْ يَقطرْ من دمِ أحد مِنْ قبل,وما أراه إلا مُرهفاً, مُسْتكِيناً في غِمْدِهِ , نائماً عنْ عُذالهِ !
ها أنا أسمعُ نِداءَ المَقامة, تصرخُ بي وهيَ تقولُ ( الوقتُ على أفول )
وَمَضيْتُ إليها مُضيَ الجَبان الذي يَهابُ الموتَ فِيها, وهوَ ينتظرُ أنْ ينجوَ بالخروجِ مِنْهَا .
ولأنني كما رأيتم شجاعة, جريئة, فقد أخذتُ قلمي ودونت ما لفتَ نظري في المقامة وحاولتُ أن أفسرَ غريبها , ثم دلفتُ لسردِ قصتها, ففي كل مُقامة أُقصوصة مِن خيال الحريري, الذي لا يتوقفُ عنْ التصويرِ , فيُتعبنا في تَصَورِ مَا تَخُطُ أطيافُه !
ثم أخذتُ أُحللُ البيانَ بكلِ أنواعِه من تشبيهٍ واستعارة وكناية ومجاز مرسل ,
ثم تعرفتُ على المشاعر في فِقرات النص فآلمتني فِقراتي, وزادتْ مشاعرُ الغيظ بي فما أرى إلا عواطفَ مُتأججة تحتاجُ لِمحبرةٍ كبيرةٍ لأسكبَ منها في صفحاتي . هل وُهِبَ هذا الرجل طاقةً شعوريةً غير عادية !!!!
ثمَّ وُجَدَتُ العُقدة بعدَ المَقدمة القَصصية التي سَردها لَنا الحريري, وظفرتُ بِها وَبفِهم نهايةِ الحِكاية, أما حكايتي أنا فمَا زالتْ قائمة بعقدتها طبعا ً !!!
بعدَ ذلكَ أخذتُ في تقطيعِ الأبياتِ الشَعرية التي يَستشهدُ بها هذا الرَجل, فما أعرفُ هل هو ناثرٌ مُجيد أمْ شاعِرٌ نَحرير !!!
لا وَربي فقد أعياني هذا المُخاتل !!
فإذا فيها من المعاني ما تحتاج لصفحات, وبها من التناص الديني ما يجعلني أراجعُ المُعجم المُفهرس لألفاظ القرآن الكريم مراراً, كمْ وددتُ أن أشكرَ محمد عبد الباقي على هذا المُؤَلَف الذي وَفر عليَّ الوقت في معرفة مكان الآية ورقمها لله درّه. وكأنه كان يعرف كسلي وتقصيري في حِفظ الآي.
ثم وَجدتُ رُوحِي عندَ بديعها أَلمَسُ طباقها وأَتحسسُ جِناسها وَأرى مُقابلاتها , وَأُنْصِتُ إلى المُوسيقى الداخلية بتوازن المُفردات وتجانس الأجراس الصوتية, والاستماع لوقعِ سَجْعِهَا على الأذان, فمَا زادني هذا إلا وَلعاً بهذا العَمل الفنّي الرَائع .
بدأتُ أُصدِّق قولَ القائل بأنَّ أجملَ الحُبِ هو مَا كان بَعدَ كُرهٍ !
وَها أنا أَهِمُ بتنقيحِ وترتيبِ البحث على الجِهاز المِسكين الذي لا يشكُو من ضَربي للوحةِ مفاتيحه, ولا يَمَلُ من كثرة ِصُحبتي لهُ, ولا ينفرُ من فظاظتِي مَعاه .
أنسقُ , أرتبُ , أضيفُ , فالإضافاتُ مَرغوبةٌ , وأضعُ بعضاً من مراجعٍ لمْ أرجعْ لها, ولكن المعلومة فيها, أنا على ثقة من ذلك, وثقتي بها لا غير هي التي منعتني من الرجوع إليها !
ثم قدمتُ البحث لأستاذتي الفاضلة , والغرور يتملكني , وتمَ تسليمُ البحثِ , ولكنها رمقتني بنظرات تفحص وتوعد, ولم أُعرها اهتمامي, فما أنا مِمَن يقِفُ عِندَ اللممِ ,ما يُهمني أنني أنهيته وفي الزمن المحدد.
ولأن المثل المصري يُردِدُ ( يا فرحة ما تمت ) فقدْ اِنْتَقلتْ هَذهِ الحال لي بكل أسف , وهذهِ أستاذتي بعدَ يومٍ تُعيدُ لي البحثَ وقد وَضعتْ علاماتَ استفهامٍ كثيرة. وكأنها لا تهوى إلا ذلك, بل الأدهى والأَمر أنها أمرتني بزيادةِ فصل التحليل النفسي للمقامة لأفكَ طلاسمَ شخصياتها المَجهولة, وما أنا في جهاز المخابرات لأفعل. ! رُبما توسمتْ في فراستي خيراً .
أخذته وانطفأتْ مشاعري, وخف توهجي , ووقدة الغرور خفتت, وتلاشيتُ إلى شقتي التي شَهِدتْ فصولَ مُعاناتي !!
لابُد من التفكيرِ بما طلبتْ !!! وَعثرتُ أثناءَ بحثي عن الكُتب النفسية في مواقع تحميل الكتب عبر الإنترنت على كتاب الدكتور الرائع عز الدين إسماعيل ( التفسير النفسي للأدب ) ومن ذلك اليوم وهو رفيقي في كل بحث .
وأخذتُ أقرأ الكتاب وأقرأ دون أن يعتورني مللٌ, أو يمرُ عليَّ خاطرُ فتورٍ .
أي قلمٍ يملكُ هذا المبدع , فقد خطف فكري, وما أراني إلا مُوغلةً في فهمِ كلَ كلمةٍ نَطقَها من صميمِ روحه لم تتوقفْ عندَ حدودِ شفاههِ ولا لَفَظَها لسانه فقط , بل زفرت مع أنفاسه , إنه يكتب بصدق , يبحثُ بجدية , يتفحصُ النفوس , يعرفُ كيفَ يَلِجُ إلى عالمِها فيقدمُ لنا نصوصاً رائعةً في التحليل الأدبي .
وها أنا أُفسرُ شخصيات قصص الحريري, بل وظاهرة اكتظاظ الغريب في أدبِه, والأهم ظاهرة السجع الذي لَعِبَ بها لُعبتَهُ ! مع لمحةٍ عن عصره وتَصَوُرٍ لشخصِه .
وطبعا اِضطرني ذلكَ إلى تأجيل البحث أسبوعا كاملا كنت أحيا فيهِ بين الكتب , أما غذائي فكان بضعَ تمراتٍ يُقِمنَ عظمي ليبقى, قبل أن أفنى !!!
وبعدها قدمته للدكتورة كما طلبتْ وبتنفيذ رؤاها !
ولمْ أجِدُ الراحة إلا حينما زَفُوا لي نبأ فوزي بالدرجة العالية في المادة, فَتنفستُ الصعداء!
للنجاحِ بعدَ الجُهدِ لذةٌ لا يَعْرِفُ حَلاوتها إلا مّن جرب مُعاناة السبيل إليهِا !
حينها شكرتُ الحريري والشريشي والدكتورة (,,,, )وكل الذين تآمروا معي للنهوض بي.
كم كانت قسوتهم عليًّ طريقا إلى نجاحي .
إلا أنني لمْ أفرحْ بتفوقِي مِقدارَ فرحتي بالقيمة التي أدركتُهَا وَكمْ كَانتْ غائِبةً عَنْ ذِهنِي , إنَّ القراءةَ الأُولى لكلِ الأمور غيرُ كافيةٍ لِنَصِلَ إلى كُنهِهَا, عَلينا أنْ نقرأَ الوجوهَ والصفحاتَ والشخوصَ ملياً لِنَعْرِفَ حَقيقتها وإنْ كانتْ مُرة.